فصل: (سورة المائدة: الآيات 109- 110)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تذييل مؤذن بانتهاء الكلام، لأنّ هذه الجملة جمعت عبودية كلّ الموجودات لله تعالى، فناسبت ما تقدّم من الردّ على النصارى، وتضمّنت أنّ جميعها في تصرّفه تعالى فناسبت ما تقدّم من جزاء الصادقين.
وفيها معنى التفويض لله تعالى في كلّ ما ينزل، فآذنت بانتهاء نزول القرآن على القول بأنّ سورة المائدة آخر ما نزل، وباقتراب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما في الآية من معنى التسليم لله وأنّه الفعّال لما يريد.
وتقديم المجرور باللام مفيد للقصر أي له لا لغيره.
وجيء بالموصول (ما) في قوله: {وما فيهن} دون (من) لأنّ (ما) هي الأصل في الموصول المبهم فلم يعتبر تغليب العقلاء، وتقديم المجرور بـ {على} في قوله: {على كل شيء قدير} للرعاية على الفاصلة المبنيّة على حرفين بينهما حرف مدّ.
{وما فيهنّ} عطف على {ملك} أي لله ما في السماوات والأرض، كما في سورة البقرة (284) {ه ما في السماوات وما في الأرض} فيفيد قصرها على كونها لله لا لغيره.
وليس معطوفًا على السماوات والأرض إذ لا يحسن أن يقال: لله مُلك ما في السماوات والأرض لأنّ الملك يضاف إلى الأقطار والآفاق والأماكن كما حكى الله تعالى: {أليس لي مُلك مصر} [الزخرف: 51] ويضاف إلى صاحب الملك كما في قوله: {على ملك سليمان} [البقرة: 102].
ويقال: في مدّة مُلك الأشوريين أو الرومان. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة المائدة: الآيات 109- 110]

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (109)}.
{يَوْمَ يَجْمَعُ} بدل من المنصوب في قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} وهو من بدل الاشتمال، كأنه قيل: واتقوا اللَّه يوم جمعه. أو ظرف لقوله: {لا يَهْدِي} أى لا يهديهم طريق الجنة يومئذ كما يفعل بغيرهم. أو ينصب على إضمار اذكر. أو يوم يجمع اللَّه الرسل كان كيت وكيت.
وما ذا منتصب بأجبتم انتصاب مصدره، على معنى: أى إجابة أجبتم. ولو أريد الجواب لقيل: بماذا أجبتم. فإن قلت: ما معنى سؤالهم؟ قلت: توبيخ قومهم، كما كان سؤال الموؤدة توبيخًا للوائد. فإن قلت: كيف يقولون لا عِلْمَ لَنا وقد علموا بما أجيبوا؟ قلت: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم، فيكلون الأمر إلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم وكابدوا من سوء إجابتهم، إظهارًا للتشكى واللجإ إلى ربهم في الانتقام منهم، وذلك أعظم على الكفرة وأفت في أعضادهم وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم، إذا اجتمع توبيخ اللَّه وتشكى أنبيائه عليهم. ومثاله أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكبة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها وعزم على الانتصار له منه، فيجمع بينهما ويقول له: ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به، يريد توبيخه وتبكيته، فيقول له: أنت أعلم بما فعل بى تفويضًا للأمر إلى علم سلطانه، واتكالا عليه، واظهارًا للشكاية، وتعظيما لما حل به منه. وقيل: من هول ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب، ثم يجيبون بعد ما تثوب إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم. وقيل: معناه علمنا ساقط مع علمك ومغمور به، لأنك علام الغيوب. ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم، فكأنه لا علم لنا إلى جنب علمك. وقيل: لا علم لنا بما كان منهم بعدنا، وإنما الحكم للخاتمة. وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين. وقرئ {علام الغيوب} بالنصب على أنّ الكلام قد تم بقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ} أى إنك الموصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره ثم نصب علام الغيوب على الاختصاص، أو على النداء، أو هو صفة لاسم أنّ إِذْ قالَ اللَّهُ بدل من {يَوْمَ يَجْمَعُ} والمعنى: أنه يوبخ الكافرين يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم، وبتعديد ما أظهر على أيديهم من الآيات العظام، فكذبوهم وسموهم سحرة. أو جاوزوا حدّ التصديق إلى أن اتخذوهم آلهة، كما قال بعض بنى إسرائيل فيما أظهر على يد عيسى عليه السلام من البينات والمعجزات {هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} واتخذه بعضهم وأمه إلهين {أَيَّدْتُكَ} قويتك. وقرئ أيدتك، على أفعلتك {بِرُوحِ الْقُدُسِ} بالكلام الذي يحيا به الدين، وأضافه إلى القدس، لأنه سبب الطهر من أو ضار الآثام. والدليل عليه قوله تعالى: {تُكَلِّمُ النَّاسَ} وفِي الْمَهْدِ في موضع الحال، لأنّ المعنى تكلمهم طفلا {وَكَهْلًا} إلا أن في المهد فيه دليل على حدّ من الطفولة. وقيل روح القدس: جبريل عليه السلام، أيد به لتثبيت الحجة. فإن قلت: ما معنى قوله: {فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا}؟ قلت: معناه تكلمهم في هاتين الحالتين، من غير أن يتفاوت كلامك في حين الطفولة وحين الكهولة الذي هو وقت كمال العقل وبلوغ الأشد والحدّ الذي يستنبأ فيه الأنبياء {وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} خصا بالذكر مما تناوله الكتاب والحكمة، لأن المراد بهما جنس الكتاب والحكمة. وقيل (الْكِتابَ) الخط. و(الْحِكْمَةَ) الكلام المحكم الصواب {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} هيئة مثل هيئة الطير {بِإِذْنِي} بتسهيلى {فَتَنْفُخُ فِيها} الضمير للكاف، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا من نفخه في شيء. وكذلك الضمير في فتكون {تُخْرِجُ الْمَوْتى} تخرجهم من القبور وتبعثهم. قيل: أخرج سام بن نوح ورجلين وامرأة وجارية {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ} يعنى اليهود حين هموا بقتله. وقيل: لما قال اللَّه تعالى لعيسى {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ} كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد يقول: مع كل يوم رزقه، لم يكن له بيت فيخرب، ولا ولد فيموت، أينما أمسى بات.

.[سورة المائدة: الآيات 111- 115]

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (111) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيدًا لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ (115)}.
{أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ} أمرتهم على ألسنة الرسل مُسْلِمُونَ مخلصون، من أسلم وجهه للَّه عِيسَى في محل النصب على إتباع حركة الابن، كقولك: يا زيد بن عمرو، وهي اللغة الفاشية ويجوز أن يكون مضموما كقولك: يا زيد بن عمرو. والدليل عليه قوله:
أَحَارِ بْنَ عَمْرٍو كَأَنِّى خَمِرْ ** وَيَبْدُو عَلّ الْمَرْءِ مَا يَأْتَمِرْ

لأنّ الترخيم لا يكون إلا في المضموم. فإن قلت: كيف قالوا هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ بعد إيمانهم وإخلاصهم؟ قلت: ما وصفهم اللَّه بالإيمان والإخلاص، وإنما حكى ادعاءهم لهما، ثم أتبعه قوله: {إِذْ قالَ} فإذن إنّ دعواهم كانت باطلة، وإنهم كانوا شاكين، وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم، وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم معناه: اتقوا اللَّه ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه، ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة. وقرئ: هل تستطيع ربك، أى هل تستطيع سؤال ربك، والمعنى: هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عن سؤاله. والمائدة: الخوان إذا كان عليه الطعام، وهي من مادّه إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه {وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ} نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل، أو نكون من الشاهدين للَّه بالوحدانية ولك بالنبوّة، عاكفين عليها، على أن عليها في موضع الحال، وكانت دعواهم لإرادة ما ذكروا كدعواهم الايمان والإخلاص. وإنما سأل عيسى وأجيب ليلزموا الحجة بكمالها ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا. وقرئ: ويعلم، بالياء على البناء للمفعول. وتعلم. وتكون، بالتاء. والضمير للقلوب {اللَّهُمَّ} أصله يا اللَّه، فحذف حرف النداء، وعوضت منه الميم. و{رَبَّنا} نداء ثان {تَكُونُ لَنا عِيدًا} أى يكون يوم نزولها عيدا. قيل: هو يوم الأحد. ومن ثم اتخذه النصارى عيدًا، وقيل: العيد السرور العائد، ولذلك يقال: يوم عيد، فكأنّ معناه: تكون لنا سرورًا وفرحا. وقرأ عبد اللَّه: تكن، على جواب الأمر. ونظيرهما، يرثني، ويرثني {لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا} بدل من لنا بتكرير العامل، أى لمن في زماننا من أهل ديننا، ولمن يأتى بعدنا. وقيل: يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم: ويجوز المقدّمين منا والأتباع. وفي قراءة زيد: لأولانا وأخرانا، والتأنيث بمعنى الأمّة والجماعة عَذابًا بمعنى تعذيبًا. والضمير في: {لا أُعَذِّبُهُ} للمصدر. ولو أريد بالعذاب ما يعذب به، لم يكن بدّ من الباء.
وروى أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس صوفا، ثم قال: اللهم أنزل علينا، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم، فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلنى من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة، وقال لهم: ليقم أحسنكم عملا يكشف عنها ويذكر اسم اللَّه عليها ويأكل منها. فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك، فقام عيسى وتوضأ وصلى وبكى، ثم كشف المنديل وقال: بسم اللَّه خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسما. وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكرّاث، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد. فقال شمعون: يا روح اللَّه، أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ فقال: ليس منهما، ولكنه شيء اخترعه اللَّه بالقدرة العالية، كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم اللَّه ويزدكم من فضله: فقال الحواريون: يا روح اللَّه، لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى، فقال يا سمكة احيى بإذن اللَّه، فاضطربت. ثم قال لها: عودي كما كنت، فعادت مشوية. ثم طارت المائدة، ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير. وروى أنهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} قالوا لا نريد فلم تنزل. وعن الحسن: واللَّه ما نزلت، ولو نزلت لكان عيدًا إلى يوم القيامة، لقوله: {وَآخِرِنا}. والصحيح أنها نزلت.

.[سورة المائدة: آية 116]

{وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)}.
{سُبْحانَكَ} من أن يكون لك شريك {ما يَكُونُ لِي} ما ينبغي لي {أَنْ أَقُولَ} قولا لا يحق لي أن أقوله: {فِي نَفْسِي} في قلبي: والمعنى: تعلم معلومى ولا أعلم معلومك، ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة وهو من فصيح الكلام وبينه، فقيل فِي نَفْسِكَ لقوله في نفسي {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} تقرير للجملتين معًا، لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب، ولأن ما يعلمه علام الغيوب لا ينتهى إليه علم أحد.

.[سورة المائدة: الآيات 117- 118]

{ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)}.
{أن} في قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر. والمفسر إما فعل القول وإما فعل الأمر، وكلاهما لا وجه له. أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير، لا تقول: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا اللَّه. ولكن: ما قلت لهم إلا اعبدوا اللَّه. وأما فعل الأمر، فمسند إلى ضمير اللَّه عز وجل. فلو فسرته باعبدوا اللَّه ربى وربكم لم يستقم لأن اللَّه تعالى لا يقول: اعبدوا اللَّه ربى وربكم، وإن جعلتها موصولة بالفعل لم تخل من أن تكون بدلا من ما أمرتنى به، أو من الهاء في به، وكلاهما غير مستقيم لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه. ولا يقال: ما قلت لهم إلا أن اعبدوا اللَّه، بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته لأن العبادة لا تقال. وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك لو أقمت {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} مقام الهاء، فقلت: إلا ما أمرتنى بأن اعبدوا اللَّه، لم يصح، لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته. فإن قلت: فكيف يصنع؟ قلت يحمل فعل القول على معناه لأن معنى {ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ}. ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به، حتى يستقيم تفسيره يأن اعبدوا اللَّه ربى وربكم. ويجوز أن تكون أن موصولة عطف بيان للهاء لا بدلا {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} رقيبًا كالشاهد على المشهود عليه، أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة، وأنزلت عليهم من البينات، وأرسلت إليهم من الرسل {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ} الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} القوى القادر على الثواب والعقاب {الْحَكِيمُ} الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب. فإن قلت: المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}؟ قلت: ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه بنى الكلام على: إن غفرت، فقال: إن عذبتهم عدلت، لأنهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول. بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن.